بعد تفشي فيروس كورونا المستجد في أواخر عام 2019 وبدء انتشاره عالمياً في أوائل عام 2020، قامت الكثير من البلدان بإغلاق الكثير من قطاعاتها، ومنها قطاع التعليم. لم تكن ولاية فلوريدا الأمريكية تختلف كثيراً عن باقي الولايات المتحدة الامريكية، حيث وصلها الفيروس وكانت الضرورات تُلح لإيجاد حلول سريعة وفعالة.
ومع مرور الأيام ومعرفة المزيد من المعلومات عن فيروس كورونا المستجد وطبيعته وكيفية انتشاره وسُبل الوقاية منه، رأى الكثيرون أن تطبيق المعرفة المتاحة لإعادة التعليم هو إحدى أهم أولويات الحكومات.
تقع صلاحيات أوامر الطوارئ من إغلاقات وحظر من ضمن صلاحيات حاكم الولاية في الولايات المتحدة الامريكية. وفي فلوريدا، ومنذ بداية انتشار الوباء، كان جلياً ميل حاكم ولاية فلوريدا الجمهوري رون ديسانتيس نحو الفتح والخروج من هذه الجائحة بأقل الخسائر الاقتصادية.
بدأ إغلاق المدارس في 16 آذار/مارس من عام 2020 لمدة أسبوعين وإلغاء الحضور إلى المدارس والأنشطة اللامنهجية والرحلات والمسابقات. حيث تم تمديد عطلة الربيع المقررة في 16 آذار/مارس لمدة أسبوع إلى أسبوعين إلى حين إعادة النظر في الوضع الوبائي.
وبعد توقيع الحاكم على الأمر التنفيذي الطارئ رقم 20 – 52 المتعلق بكوفيد-19 في 9 آذار/مارس، قامت إدارة التعليم في الولاية بالاستجابة للأمر التنفيذي عن طريق:
نقل الطلبة إلى التعليم عن بُعد عند عودتهم من عطلة الربيع
إشراك الإدارات المحلية والمدارس في إعداد خطط التعليم عن بعد
توفير مصادر متعددة للتعليم عن بعد وتوصية بعض المواقع الإلكترونية، علاوةً على توفير معلومات شركات الاتصالات وعروض خدمات الانترنت التي اخذت الجائحة بعين الاعتبار، وبعض شركات التكنولوجيا التي ساهمت بشكل ما في توفير بعض الموارد مثل مايكروسوفت وأبل اللتان وفرتا فترات مجانية من تطبيقاتهم التي تستخدم في التعليم لمدة 6 أشهر
توزيع أكثر من 32000 جهاز كمبيوتر محمول في المناطق التعليمية الصغيرة والريفية في 11 نيسان/أبريل استعداداً للتعليم عن بُعد
وكانت ولاية فلوريدا احدى الولايات التي انتشر فيها الوباء بشكل سريع وكبير، وتراوحت مدة الاغلاق أقل من شهر بحسب أوامر الحاكم ما بين 3 إلى 30 نيسان/أبريل. وبعد هذه المدة تمت إعادة مناقشة عودة الأنشطة الصيفية في شهر حزيران/يونيو مثل المخيمات الصيفية، كخطوة أولية لعودة التعليم في شهر آب/أغسطس، بالتوازي مع خطة حكومة الولاية بالعودة التدريجية لفتح القطاعات التي تشمل التجمعات كالمطاعم والمحال التجارية.
ونشرت إدارة التعليم في ولاية فلوريدا خطة مكونة من 143 صفحة ناقشت الخطوات التي سيتم اتخاذها والتوصيات الصحية والتعليمية لإعادة فتح مدارس فلوريدا بعد انتشار فيروس كورونا المستجد. ومن أهم إضاءات هذه الخطة هو أن التعليم والقرارات المتعلقة به هو قرار مُجتمعي وإداري، وأن عودة المدارس ستُمكين أولياء أمور أطفال المدارس من العودة إلى سوق العمل وزيادة الحركة الاقتصادية لسكان فلوريدا.
وأظهرت الدراسات التي اعتمدت عليها الولاية أرقاماً صادمة. حيث قال مشرف التعليم في مقاطعة ميامي أنه من الممكن أن الطلاب الأكثر عرضة للخطر (على سبيل المثال، الذين يعيشون في فقر، أو ذوي الإعاقة، أو اللذين يتعلمون اللغة الإنجليزية) يمكن أن يشهدوا «تراجعًا أكاديميًا تاريخيًا». كما بينت دراسات أن ما يقرب من ثلثي الاهالي العاملين لأطفال قُصر في فلوريدا قالوا إن الإغلاقات و/أو عدم رعاية الأطفال قد أثرت إلى حد ما (41٪) أو بشكل كبير (23٪) قدرتهم على أداء مسؤولياتهم الوظيفية بشكل كامل أثناء الوباء.
إضافةً إلى أن 35٪ من الأسر منخفضة الدخل التي لديها أطفال في سن المدرسة ليس لديهم إنترنت عالي السرعة و17% بالنسبة للعائلات ذات الدخل المتوسط و6% فقط للعائلات من الطبقة المتوسطة والثرية. وعند القياس على أساس العرق والأصول، تكون الفجوة أكبر بالنسبة للعائلات الأمريكية من أصل أفريقي ومن أصل إسباني.
لذا تم تقرير عودة المدارس للفصل الدراسي الأول من 2020 عن طريق إتباع التباعد الاجتماعي والتعقيم والمراقبة وترك الخيارات التعليمية للأهالي أثناء الوباء، بما في ذلك تقرير كيفية تعليم اطفالهم بالتعليم الشخصي أو المبتكر أو الافتراضي، وفرض تعليمات صحية وتمويلية للمدارس لإتباعها، تتماشى مع توصيات وزارة الصحة ومراكز السيطرة على الأوبئة.
لكن هذه القرارات لم تكن كافية للكثيرين لضمان حمايتهم، وتركت الكثير من العاملين في قطاع التعليم غير مرتاحين للخروج في ظل نسب مرتفعة من الإصابة، خاصةً في جنوب الولاية، التي تُعاني من أعلى نسب إصابات وإشغال للمستشفيات. وقام عدد من الاعتصامات من قبل معلمين خسروا زملائهم أو طلبتهم لهذا الفيروس الخبيث تطالب الحكومة بالتراجع عن قرارها.
دفع هذا الأمر أكبر نقابة معلمين في فلوريدا برفع دعوى قضائية على حاكم الولاية رون ديسانتيس ومفوض التعليم ريتشارد كوركوران في شهر تموز/يوليو. حيث بدأت الأمور بأخذ منحنىً سياسي لا صحي، وأتُهم حاكم الولاية المنتمي للحزب الجمهوري رغبته بإعادة الفتح وإنعاش الاقتصاد تأهباً للانتخابات الرئاسية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر، والتي يريد حاكم الولاية للمرشح الجمهوري دونالد ترامب للفوز بها. وبعد مشاحنات إعلامية بين النقابة والحاكم والمفوض، قام القاضي بالحكم لصالح النقابة، معتمداً على أن عمل الحاكم بحسب دستور الولاية يُلزمه بحماية مواطنيها وأن إجبارهم على فتح المدارس يُعرض حيواتهم للخطر. لذا بقيت عدة مقاطعات في جنوب الولاية تعتمد التعليم عن بعد، دون خسارتهم لتمويل الولاية لعدم فتح المدرسة على أرض الواقع.
وفي سياقً متصل، أوضحت دراسة نُشرت في المجلة الطبية البريطانية تتبعت عدد الإصابات قبل 10 أيام منذ بدء التعلم الشخصي في فلوريدا إلى بعد 20 يوماً منذ إعادة فتح المدارس في شهري آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر من العام المضي بأن إعادة الفتح الفعلي للمدارس أعقبها زيادة في إصابات كوفيد-19 لمن هم في سن المدرسة، وخاصة المدارس الثانوية. حيث لم تشهد المقاطعات التي أعيد فتحها عن بُعد حدوث زيادة، وهو ما قد يتعلق أيضًا بمعدلات كوفيد-19 المنخفضة قبل إعادة الفتح، أو أوامر ارتداء اقنعة الوجه والحد من التجمعات أو الاختلاف الاجتماعي والاقتصادي، كما هو الحال في بعض المقاطعات في جنوبي الولاية مثل ميامي.
وقد كان مركز السيطرة على الأوبئة الأمريكي قد أوصى باعتبار المعلمين من العاملين في الخطوط الأمامية ويجب أن تكون لهم أولوية أخذ اللقاح مع سائر المهن التي تم اعتبرها أساسية، لكن ولاية فلوريدا لم تصنفهم كذلك. وبحسب رابطة معلمي فلوريدا، توفي 24 من المعلمين وأفراد عائلاتهم بسبب فيروس كورونا المستجد. ولا يزال الجدال حول هذه المسألة قائماً مع إصرار العودة إلى المدارس.
إلى اليوم، أصيب في فلوريدا التي يبلغ عدد سكانها حوالي 21 مليون نسمة أكثر من مليون و300 ألف شخص وخسر أكثر من 22 ألف أرواحهم في الولاية بسبب كوفيد-19. وبلغ عدد المصابين ممن هم ما دون 14 عاماً 79,163، وتوفي 10 قاصرين أقل من عمر 18 عاماً.
ومع ظهور اللقاحات في امريكا وبدء توزيعها على الولايات، يتفاءل الكثيرون بتحسن الأوضاع مع نهاية عام 2021. ولا تزال الاثار التي تسبب بها انتشار فيروس الكورونا المستجد تظهر يومياً على كل المستويات وفي جميع قطاعات الحياة.